َأفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ 68 أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ 69 لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ 70 سورة الواقعة
تفسير العلوم المكتسبة لكيفية إنشاء السحب الممطرة( المزن)
المزن( أو السحب المزينة) جمع مزنة وهي السحابة البيضاء أي المشبعة بقطيرات الماء, ويطلق التعبير كذلك علي السحابة المضيئة أي المصاحبة بالبرق, وكلاهما من السحب الممطرة مما جعل ذلك وصفا للمزن, وذلك لأنه ليست كل السحب ممطرة. وتري العلوم المكتسبة أن إنشاء السحب يتم بإذن الله كنتيجة لتكثيف بخارالماء المتصاعد من الأرض إلي مختلف مستويات نطاق الرجع( نطاق التغيرات الجوية الذي يرتفع لمسافة فوق مستوي سطح البحر تتراوح بين7 كم, و16 كم) خاصة في الأجزاء العليا منه, وذلك علي هيئة قطيرات دقيقة جدا من الماء يتمكن الغلاف الغاري للأرض في هذا النطاق من حملها لضآلة كتلتها. وتلعب الرياح دورا مهما في تكوين السحب, والرياح ظاهرة جوية مرتبطة بالتفاعل بين الكتل الهوائية المختلفة, وهي دافئة ورطبة فوق المحيطات المدارية, وحارة جافة فوق الصحاري, وباردة جافة فوق المناطق القطبية, وتتداخل هذه الكتل الهوائية مع بعضها البعض بفعل حركة الرياح, وبذلك تتكون السحب والأعاصير وغير ذلك من المظاهر الجوية.
هذا علي المستوي الشمولي لكوكب الأرض, الا أن التضاريس المحلية تعقد من تلك الصورة بعض الشيء.
وعندما يسخن الهواء في منطقة ما بملامسته لسطح الأرض بحيث يصبح أدفأ من كتل الهواء المحيطة به, فإنه يتمدد وبتمدده تقل كثافته ويتناقص ضغطه فيرتفع إلي أعلي, ومع الارتفاع يتناقص ضغطه أكثر, وتنخفض درجة حرارته( لبعده عن مصدر الدفء وهو سطح الأرض الذي يمتص حرارة الشمس ويعاود إشعاعها), ويزداد تبرد كتلة الهواء بازدياد ارتفاعها في نطاق التغيرات الجوية( الرجع) مما يصل برطوبتها الي درجة التشبع فتتكثف وبتكثفها تتكون السحب, وقد تسقط الأمطار والثلوج.
كذلك فإن الفرق في درجات الحرارة بين اليابسة والماء يؤدي إلي تسخين كتل الهواء فوق اليابسة في فصل الصيف, وبالتالي يعينها علي الارتفاع إلي أعلي كي تحل محلها كتل باردة من فوق ماء البحر( نسيم البر والبحر) لتكون دورة أفقية للهواء تنتج عنها السحب علي طول السهل الساحلي للبحر وكذلك الحال في اختلافات درجة الحرارة بين التضاريس الأرضية المتعددة( كدورة الرياح بين الجبال والأودية والأغوار) وهذه الرياح الأفقية قد تعترضها دفقات رأسية بفعل تيارات الحمل مما قد يؤدي إلي حدوث دوامات اضطراب تكون سحبا موجية غير منتظمة قد تصحبها رياح عاصفة ومدمرة في بعض الأحيان.
والمكونات الأساسية للسحب هي الهواء الرطب, والتبرد, والرياح التي تحمل مزيدا من الهواء الرطب للسحب المكونة, وتوفر عددا من نويات التكثف, وهي هباءات دقيقة من الغبار أو من بعض المركبات الكيمائية التي لها جاذبية لبخار الماء من نقل كبريتات النوشادر, أو بعض دقائق الأملاح المتصاعدة مع بخار الماء, وبغياب أي من هذه الشروط لا تتكون السحب, وتبقي الرياح عقيمة, أو تتكون السحب ولكنها تكون سحبا غير ممطرة, وبذلك يتضح أن تكون السحب وهطول الأمطار من الأمور الخارجة عن نطاق القدرة الإنسانية, وللسحب أنواع عديدة, ولكن القليل منها هو الممطر( المزن) ومن هذه الأنواع مايلي:
(1) السحب الركامية وهي سحب رأسية ذات قمم سامقة علي هيئة السلاسل الجبلية وتتميز بسمك كبير قد يصل الي أكثر من15 كم, وتشبه في هيئتها جبال الأرض, وقد تتطور الي مايعرف بالسحب الركامية المزنية( أي الممطرة) وهي النوع الوحيد المعروف بين السحب بمصاحبة ظواهر حدوث كل من الرعد والبرق وتكون البرد, وذلك بسبب سمكها الكبير, وبرودتها الشديدة.
والسحاب الركامي( المركوم) هو السحاب المتراكم بعضه علي بعض, ويتكون بفعل الرياح التي تسوق قطعا من السحب الصغيرة الي مناطق محددة تلتقي وتتجمع فيها مما يؤدي إلي زيادة ركمها أفقيا ورأسيا وبالتالي تؤدي إلي زيادة سمكها وإلي تكديس كميات كبيرة من بخار الماء فيها, وزيادة قدرتها علي إنزال المطر, بإذن الله ومن المشاهد أنه عندما تلتحم سحابتان أو أكثر فإن تيار الهواء الصاعد داخل السحابة يزداد بصفة عامة, مما يساعد علي جذب مزيد من بخار الماء إلي قلب السحابة من قاعدتها, وهذا بدوره يزيد من الطاقة الكامنة لتكثف بخار الماء والتي تساعد هي الأخري علي زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد دافعا بهذا التجمع المركوم الي ارتفاعات أعلي, خاصة وسط التجمع حيث تكون التيارات الصاعدة أقوي ماتكون فتظهر كالنافورة المتدفقة الي أعلي بالماء, أو كالبركان الثائر الذي يدفع بزخات الحمم والدخان الي مئات الأمتار فوق فوهته.
وفي السحب الركامية الشاهقة الارتفاع تتساقط حبات المطر من قاعدة السحابة, بينما ـ يتجمع في وسطها خليط من الماء شديد البرودة وحبات البرد المتفاوتة الجرم, وفي قمتها تغلب بللورات الثلج والبرد.
وهذا هو السحاب الركامي المزني الذي يصاحب عادة بحدوث كل من الرعد والبرق, وتنزل زخات مطر من الماء أو البرد أو كليهما معا, عندما تصبح كتل تلك القطيرات فوق حدود احتمال السحابة, وتصبح الرياح الرأسية غير قادرة علي الاستمرار في دفعها الي اعلي خاصة ان بعض حبات البرد قد تصل الي حجم البرتقالة المتوسطة الحجم.
(2) السحب الطباقية: وهي سحب أفقية منبسطة تمتد علي هيئة طبقة أو عدد من الطبقات القليلة السمك نسبيا, وقد تمتد أفقيا إلي مئات الكيلومترات, ورأسيا إلي عدة مئات الأمتار, وهي غير مصاحبة بمظاهر الرعد والبرق, ولا يتكون فيها البرد نظرا لانتشارها الافقي الكبير, وقلة سمكها, وضعف التيارات الرافعة فيها.
وهذا النوع من السحب غالبا مايتكون بفعل التقاء جبهات الكتل الهوائية, أو بارتطامها بكتل السلاسل الجبلية حيث تقوم الجبال برفع تلك الرياح الأفقية المحملة ببخار الماء إلي أعلي بمعدلات خفيفة ولكنها واسعة الانتشار, حيث تتبرد, ويبدأ بخار الماء في التكثف علي هيئة قطيرات دقيقة حول نوي التكثف, وقد يحدث شيء من الركم في أثناء هذه العمليات ولكنه لايصل في السمك او الارتفاع الي مستوي السحب الركامية.
وإذا نمت قطيرات الماء الي الحجم الذي يسمح لها بالهطول مطرا من هذا النوع من السحب سمي باسم المزن الطباقية وسميت أمطارها باسم الأمطار التضاريسية إذا كانت ناتجة عن الاصطدام بالسلاسل الجبلية, أو باسم الأمطار الجبهية إذا كانت ناتجة عن اختلاط جبهات الكتل الهوائية وكلاهما من أغزر الأمطار هطولا وأطولها مدة.
وبتكون قطرات الماء في داخل السحابة الطباقية تبدو رمادية اللون معتمة, واذا بدأ المطر في الهطول منها تتعرج قاعدة تلك المزن الطباقية وتبدو اسفنجية المظهر لتفرق أماكن نزول المطر منها, وقد يؤدي ذلك الي تفرق السحابة ذاتها الي كتل تتباعد عن بعضها البعض علي هيئة سحاب طبقي متوسط أو إلي أجزاء متناثرة من ذلك حتي تتلاشي السحابة بالكامل.
وكما تقسم المزن( السحب الممطرة) علي أساس من شكلها( أو هيئتها) الي مزن ركامية ومزن طباقية فإنه يمكن أن تقسم علي أساس من العوامل الفاعلة في إنشائها وتكوينها إلي: مزن جبهية, ومزن تضاريسية ومزن حملية, كما يمكن تصنيف تلك الأنواع علي أساس من ارتفاعها فوق مستوي سطح البحر إلي مزن منخفضة, مزن متوسطة الارتفاع ومزن عالية ويمكن دمج كل هذه التقسيمات معا, كما يمكن تقسيم السحب غير الممطرة علي نفس المنوال, وإن كانت السحب العالية يطلق عليها أحيانا اسم سمحاق وهناك السمحاق الركامي والسمحاق الطبقي وأي من هذه الأنواع إذا كان كثيف المطر سمي معصرا
وهذه المعصرات وصفها القرآن الكريم بقول الحق( تبارك وتعالي):
وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا( النبأ:14)
وكل من السحب الركامية الممطرة, والطباقية الممطرة والمعصرات يجمع تحت مسمي المزن أو السحب الممطرة, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالى): أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون (الواقعة:69)
من مقال بقلم الدكتور: زغـلول النجـار