هي امرأة ذات مكانة عظيمة في الإسلام وذات شجاعة نادرة وبطولة، وليس عجبا أن تكون كذلك، فهي ابنة الصديق وأخت الصديقة وزوجها صحابي جليل وابنها صحابي جليل، كان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة.
وعن إسلامها وموقفها في الهجرة وسيرتها العطرة أوضح الكاتب الإسلامي منصور عبد الحكيم قائلا: أسلمت أسماء قديما بمكة وكانت أكبر من أختها عائشة ببضع عشرة سنة، وكانت السابعة عشرة ممن أسلموا في مكة، فقد كان أبوها أول من أسلم من الرجال. وفي يوم الهجرة، يوم أن أراد المشركون قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وجاء الأمر الإلهي إليه بالهجرة جاء النبي صلى الله عليه وسلم لصديقه أبي بكر الصديق كي يصحبه في رحلة الهجرة، وسار الاثنان إلى غار ثور، حتى تهدأ قريش من حملتها في البحث عنه، كان يلزم لهما الزاد في أيام الاختفاء في الغار.
حيث كان دور أسماء البارز في الهجرة، فكانت تأتي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه أبي بكر الصديق أبيها بالزاد والماء كل ليلة، تمشي ثلاثة أميال تقريبا حتى تصل إلى الغار ومعها الزاد والماء وأيضا الأخبار.
وحين أرادت أن تعلق الزاد والماء لم تجد ما تعلقه فقطعت نطاقها نصفين وأخذت نصفه كي تعلق به الزاد وبالآخر الماء، وحين رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شقت نطاقها نصفين قال لها: قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة. وسميت من يومها بذات النطاقين.
وأشار منصور عبد الحكيم الى أن أسماء رضي الله عنها تحملت أذى المشركين حين جاءوا إلى منزل أبيها يبحثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبيها، فقال لها أبو جهل لعنه الله: أين أبوك يابنت أبي بكر؟
فردت بشجاعة وثبات: لا أدري. فلطمها أبو جهل لطمة حتى وقع قرطها من شدة اللطمة، ولكنها لم تهتز ولم تفض بسر أبيها وصاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويضيف الباحث الإسلامي منصور عبد الحكيم: إن أسماء تعتبر مثالا للزوجة المؤمنة الصابرة: حيث تزوجت رضي الله عنها بالصحابي الجليل الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بمكة المكرمة قبل الهجرة النبوية، وهاجرت وهي حامل في ابنها عبد الله فولدته بالمدينة المنورة فكان أول مولود في الإسلام للمهاجرين بعد الهجرة وبعد أن أشاع اليهود أن نسل المسلمين قد انقطع.
وعاشت أسماء رضي الله عنها في بيت زوجها صابرة تحملت شظف العيش وعبء الحياة الزوجية، وعن حياتها في بيت زوجها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتشي له وأقوم عليه.
وكانت تنقل النوي على رأسها لأرض زوجها وتسقي الماء وسائر الأعباء الأخرى خارج المنزل وداخله، وحين شكت ذلك لأبيها الصديق رضي الله عنه قال لها: يابنية اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج بعده جمع بينهما في الجنة.
وكانت أسماء رضي الله عنها مثال الكرم والجود في العطاء فقد أوصاها النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد مر عليها وهي تحصي أي تعد شيئا وتكيله فقال لها: يا أسماء لا تحصي فيحصي الله عليك.
فما أحصت شيئا بعد ذلك ولم ينفد رزقها أبدا. وكانت تحث بناتها على العطاء بسخاء فتقول لهن: بناتي تصدقن ولا تنتظرن الفضل فإنكن إن انتظرتن الفضل لن تجدنه، وإن تصدقتن تجدن فقده.
وعن عملها وفقهها رضي الله عنها يقول:كانت مثل أختها السيدة عائشة رضي الله عنها ذات علم في الدنيا وفقه، روت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت من فقيهات نساء الصحابة، وحدث عنها عدد من الصحابة والتابعين منهم حفيدها عبد الله بن عروة بن الزبير فقال: قلت لجدتي أسماء: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، كما نعتهم الله. قال: فإن ناسا ها هنا إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشيا عليه. قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وكانت إذا صلت أطالت القيام والقراءة والتدبر حتى تظل تكرر الآية مرارا وتكرارا من الخوف والوجل من الله عز وجل.
ومما يروى عن ورعها وتقواها أيضا ما ذكره الباحث بقوله: لما كانت أسماء ذات فقه في الدين وورع شديد فإنها حين جاءت أمها، وكانت مشركة، بهدايا، أبت أن تقبلها حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رد الرسول صلى الله عليه وسلم أن تقبل الهدايا وأن تبر أمها لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). وهذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه وغيره من أصحاب السنن.
وقد أنجبت أسماء رضي الله عنها أولادها: عبدالله والمنذر وعروة، وعاصم، والمهاجر، وخديجة وأم الحسن وعائشة.
ويضيف الباحث منصور عبد الحكيم أن السيدة أسماء رضي الله عنها روت الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أكثر بنات الصحابة في ذلك بعد أختها عائشة رضي الله عنها فقد روت قرابة ثمانية وخمسين حديثا، بينما روى زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه ثمانية وثلاثين حديثا.
وروى عنها ابناها عبد الله، وعروة وحفيدها عبد الله بن عروة ومولاها: عبد الله بن كيسان، وابن عباس ومحمد بن المنكدر ووهب بن كيسان.
وكذلك فاطمة بنت المنذر بن الزبير وصفية بنت شيبة وأم كلثوم مولاة الحجبة وغيرهم.
واتفق البخاري ومسلم على أربعة عشر حديثا لها وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بأربعة.
توفيت رضي الله عنها بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين بأيام قليلة، فما أتت عليها جمعة حتى ماتت بعدها عام 73 ه.
وكانت رضي الله عنها قد ذكرت في وصيتها لأهلها:
اجمروا ثيابي إذا مت، ثم حنطوني، ولا تذروا على كفني حنوطا، ولا تتبعوني بنار ولا تدفنوني ليلا.
ودفنت بجوار ابنها عبد الله بن الزبير بمكة على الأرجح وقيل إنها ماتت بالمدينة ودفنت بها والله أعلم رضي الله عنها وأرضاها.
منقول من جريدة الخليج