حدثنا الحميدي قال حدثنا مروان بن معاوية قال حدثنا إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله قال
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب
قال إسماعيل افعلوا لا تفوتنكم
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْلُهُ ( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ )
هُوَ اِبْنُ أَبِي خَالِدٍ , وَقَيْسٌ هُوَ اِبْنُ أَبِي حَازِمٍ , وَوَقَعَ عِنْدَ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ قَيْسٍ وَسَمَاعِ قَيْسٍ مِنْ جَرِيرٍ .
قَوْلُهُ ( فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً )
زَادَ مُسْلِمٌ " لَيْلَةَ الْبَدْرِ " وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ , وَهُوَ خَالٍ مِنْ الْعَنْعَنَةِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي " بَابِ فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ " .
قَوْلُهُ ( لَا تُضَامُونَ )
بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا , أَيْ لَا يَحْصُلُ لَكُمْ ضَيْمٌ حِينَئِذٍ , وَرُوِيَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ مِنْ الضَّمِّ , وَالْمُرَادُ نَفْيُ الِازْدِحَامِ , وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ .
قَوْلُهُ ( فَإِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا ) )
فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَطْعِ أَسْبَابِ الْغَلَبَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلِاسْتِطَاعَةِ كَالنَّوْمِ وَالشُّغْلِ وَمُقَاوَمَةِ ذَلِكَ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهُ .
وَقَوْلُهُ ( فَافْعَلُوا )
أَيْ عَدَمَ الْغَلَبَةِ , وَهُوَ كِنَايَةٌ عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِعْدَادِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْمَذْكُورَةِ " فَلَا تَغْفُلُوا عَنْ صَلَاةٍ " الْحَدِيثَ .
قَوْلُهُ ( قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا )
زَادَ مُسْلِمٌ " يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ " وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ " قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ " وَقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ : قَوْلُهُ " فَإِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَنْ صَلَاةٍ " أَيْ فِي الْجَمَاعَةِ . قَالَ : وَخَصَّ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِاجْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا وَرَفْعِهِمْ أَعْمَالَ الْعِبَادِ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ هَذَا الْفَضْلُ الْعَظِيمُ .
قُلْت : وَعُرِفَ بِهَذَا مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ حَدِيثِ " يَتَعَاقَبُونَ " عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ , لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي جَمَاعَةٍ , وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ مَعْلُومًا مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ , بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَلَّاهُمَا وَلَوْ مُنْفَرِدًا , إِذْ مُقْتَضَاهُ التَّحْرِيضُ عَلَى فِعْلِهِمَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ جَمَاعَةً أَوْ لَا .
قَوْلُهُ ( فَافْعَلُوا ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ يُرْجَى نَيْلُهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ ا ه . وَقَدْ يُسْتَشْهَدُ لِذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ , قَالَ " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ " وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً " وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ .
قَوْلُهُ ( ثُمَّ قَرَأَ )
كَذَا فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْجَامِعِ , وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِهِ بِإِبْهَامِ فَاعِلِ قَرَأَ , وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَكِنْ لَمْ أَرَ ذَلِكَ صَرِيحًا , وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ , وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ " ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ " أَيْ الصَّحَابِيُّ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ , فَظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا وَافَقَهُ إِدْرَاجٌ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَوَجْهُ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِ الرُّؤْيَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ , وَقَدْ ثَبَتَ لِهَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى غَيْرِهِمَا مَا ذُكِرَ مِنْ اِجْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا وَرَفْعِ الْأَعْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , فَهُمَا أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ , فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ الْمُحَافَظَ عَلَيْهِمَا بِأَفْضَلِ الْعَطَايَا وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَقِيلَ لَمَّا حَقَّقَ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ - وَهُمَا آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ شُرِعَتْ لِخُسُوفِهِمَا الصَّلَاةُ وَالذِّكْرُ - نَاسَبَ مَنْ يُحِبُّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ غُرُوبِهَا ا ه . وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَتَكَلُّفُهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .