الضجة المثارة حالياً حول قبول الأزهر وجامعته الأقباط ليدرسوا به العلوم العلمية والاجتماعية دونما علوم الدين والإسلام هي ضجة مفتعلة وفق الأجندة التي تذكي نيران الفتنة والفرقة داخل المجتمع المصري وكان من الأجدر بمن أثاروها أن يعودوا إلي التاريخ الغربي حيث كانت الأندلس منارة علمية تدرس بها علوم الدين والفقه واللغة والطبيعة في قرطبة وطليطلة وأشبيلية للمسلمين والموالي وجميع الجنسيات والأديان مسيحيين ويهود وتلك المنارات هي التي نقلت حضارات الرومان والاغريق والفرس إلي العربية والإسلامية ومنها إلي أوروبا وكانت نواة عصور التنوير فرسالة الغفران لأبي العلاء المعري هي مصدر الكوميديا الإلهية "لدانتي" والفردوس المفقود لجون ميلتون وما كتبه ابن رشد أشعل قضايا فلسفية تطرق اليها علماء الاجتماع و"كرايلير" إلي "روسو" و"فولتير" هذا غير علوم الطب والهندسة والفلك لأن الحضارات تبني علي الثقافات المتنوعة والأديان السماوية كلها تدعو إلي العلم والبحث والابتكار فليدخل الأقباط واليهود ليدرسوا بالأزهر كما التحق علماء مصر بالجامعات الغربية والتي هي في منشأها جامعات كنسية دينية وأيضا الصغار الذين يلتحقون بمدارس الرهبان والراهبات في مصر والعالم العربي لم يفقدوا عقيدتهم بل نشأوا علي التسامح والتعارف والنور الذي يرسخ قيمة العلم والاختلاف.
ولكن بدلاً من هذا الجدل العقيم حول قضايا حسمها العالم والحضارة الحديثة لماذا لا نقف وقفة جادة في جميع محافلنا التشريعية والتنفيذية وحتي القضائية لنرصد حال التعليم في بلادنا حتي ان مصر بحضارتها وعلمها وتاريخيها القديم والحديث قد خرجت جامعاتها الحكومية والخاصة من التقييم العالمي لأفضل 500 جامعة علي مستوي العالم. انها كارثة حضارية وانسانية لا يجب أن تمر علينا مرور الكرام أو اللئام أو مرور الشماتة أو مرور السلبية لأن هذا مستقبل جيل قادم وأمة تبني مستقبلها وقد نحاسب في الدنيا والآخر علي صمتنا أو سلبيتنا في قضية هي لب الوجود ألا وهي العلم والتعليم فليس المهم ان نلقي باللوم أو الاتهام علي جهة أو وزارة أو فرد لأن ما حدث هو نتيجة حتمية ودراما مأساوية لتراجيديا التعليم التي سقط فيها البطل التراجيدي بسبب غلطة أو سقطة انسانية اختار فيها ما يسمي مجانية التعليم والتوسع الأفقي العرضي لاستيعاب أعداد غفيرة من التلاميذ والطلاب في المدارس والجامعات بدعوي ان التعليم المجاني المدعوم هو الخيار الأوحد للتقدم والتطور قد يكون هذا صحيحاً في بدايات مرحلة ثورية انتقالية ما بين نظام ملكي واقطاعي واستعماري إلي مرحلة جديدة للحرية والتغيير والاشتراكية ولكن بدأت بوادر الأزمة تظهر علي السطح مع انشاء الجامعات والمعاهد الخاصة ومع بدايات المشكلات التعليمية للكثافة الطلابية في المدارس والجامعات وتدني مستوي الخدمة التعليمية والأجور والمرتبات وغياب المعامل والمكتبات وتدهور مستوي الخريج في سوق العمل العالمي والخليجي والعربي حتي ان المهندس الباكستاني قد صار سعره أعلي من المصري وكذلك الطبيب والأستاذ الجامعي أما المدرس المصري فجنسيات أخري دخلت ساحة المنافسة من فلسطيني إلي أردني وتونسي وسوري ولم يعد للمصري مكانته السابقة في بلاد تربت علي أيدي معلمين مصريين والتحق قادتها ورؤساؤها بالجامعات المصرية إبان فترة الازدهار مع كل هذا كان لابد من تغيير السياسة التعليمية المجانية..
القضية هي لماذا خرجنا من التصنيف وماهي المعايير التي علي أساسها نلتحق بركب العلم والتعليم. المعامل والمكتبات والساحة المتاحة لكل طالب داخل القاعات والتجهيزات الحديثة ووسائل الاتصال وقبل كل هذا البحث العلمي والميزانية المخصصة له وعدد الأبحاث المنشورة عالميا في مجالات العلم والتكنولوجيا والفلسفة والعلوم الانسانية والزراعة والجديد والمبتكر الذي أفاد البشرية وكم عالماً واستاذاً في تلك الجامعات قد حصل علي جائزة نوبل أو حتي خريجاً منها حالفه التوفيق والنجاح ليصل إلي مرتبة العالمية في البحث العلمي.
والآن هل وصلت معايير التقييم العالمي إلي كل أستاذ جامعي وتمت مناقشتها في الاقسام العلمية وعلي طاولة السادة العمداء ورؤساء الجامعات ليرفعوا بها تقارير حقيقية وليست وهمية لسد خانات الجودة وملاء فراغات المنظومة التعليمية ليحصل كل أستاذ علي حصة مالية ويوقع في كشف الحضور والانصراف بأنه قد أصبح "مميزاً" عن باقي زملائه ومن ثم صار يتقاضي الجودة وأجرها؟!
ان كل المؤتمرات الشعبية والعلمية التي عقدت عن تطوير التعليم لم تبدأ حتي هذه اللحظة في التعرف علي المرضي الذي أصاب عقل الأمة المصرية وكيانها فصارت علي وشك التهاوي كيف تصبح لإسرائيل ست جامعات مميزة عالمياً وهي الدولة الوليدة القائمة علي أسس عرقية ودينية واغتصاب أرض وتهديد أمة عربية وشعوب انهكتها الحروب معها وكيف لم تتضمن تلك القائمة أية جامعة عربية أو إسلامية أو قبطية ما وصل إليه حال الجامعات المصرية يتطلب قرارات سيادية وسياسات غير مسبوقة وإعلاناً عن أوجه القصور وميزانيات البحث والنشر والابتكارات الجديدة والاختراعات والتواجد علي الساحات العالمية وكل هذا يبدأ من السنة الأولي بالمدرسة حتي نصل إلي مرحلة التعليم الجامعي وما بعده وإذا بدأنا اليوم فالرحلة لن تستغرق أقل من عشرين عاماً ويالها من رحلة شبه رحلة دون كيشوت وطواحين الهواء أو السيد أبوالعلا البشري وطواحين الفساد والجهل ودعاوي الفتن والتعصب