اتصل بي أمس تليفونيا صديقي محمد علي إبراهيم لأكتب مقالاً للعدد الأسبوعي لجريدة الجمهورية.. وفي نفس اللحظة كنت انظر إلي قطعة من الحجر الجيري تم الكشف عنها أمس بوادي الملوك.. ممثل عليها منظر مرسوم بخط اليد من أحد أعمال دير المدينة لسيدة بدينة جدا.. وقد أثار هذا المنظر إعجابي وأنا أنظر إليه وحولي آلاف القطع الفخارية والآثار التي اكتشفناها بوادي الملوك وحولي زملائي من الأثريين الذين يعملون معي في أول بعثة مصرية تحفر في هذا الوادي الغريب الذي يحمل العديد من الأسرار التي لم تكشف بعد.
هذا الوادي الذي زرته منذ حوالي 38 عاما عندما كنت أعمل مرافقا لبعثة أجنبية بالبر الغربي للأقصر.. وكان القمر ساطعا في إحدي ليالي الربيع الجميلة وكعادتي أحب دائما أن أغامر لأكشف الجديد وطلبت من الشيخ نجدي شيخ خفراء البر الغربي أن يصحبني للوادي في منتصف الليل.. وذهبت للوادي وتسلقت الجبل حتي وصلت إلي القمة الهرمية التي تعلو المقابر.. وأغمضت عيني وحلمت بأسرار وغموض هذا الوادي العجيب الذي كشف به حتي الآن 63 مقبرة منهما 26 مقبرة ملكية.. وكل مقبرة تختلف عن الأخري فهذا هو تصور كل ملك عن العالم الآخر وداخل هذه المقابر كتب دينية وصلت إلي سبعة كتب أهمها كتاب البوابات والتي يصل عددها إلي 12 بوابة ويحرس كل بوابة ثعبان ضخم ولا تفتح إلا لمن يجيب علي سر هذا الأبواب وكتاب ما هو موجود في العالم الآخر الذي يتحدث عن أسرار هذا العالم الذي لا نعرف أسراره حتي الآن.. هذا الوادي مليء بالأسرار فمازالت مقبرة رمسيس الثامن وتحتمس الثاني اسفل الرمال بل ومقبرة الملكة نفرتيتي وجميع ملكات الأسرة 18 من الدولة الحديثة مازالت في الوادي.. ووجدت أن الحلم يأخذني إلي عالم الفراعنة العجيب الذي أعيش فيه وأحلم به منذ أن وجدت حبي وعشقي في الآثار حتي أن الآثار أصبحت محبوبتي ومعشوقتي بل وكل شيء في حياتي ولذلك فقد كان حلمي الأول وأنا طالب بالجامعة أن اكتشف مقبرة الملكة الساحرة كليوباترا أما أن الحلم الثاني والذي حدث منذ 38 عاما بعد تخرجي في الجامعة فقد تصورت أن أحفر في وادي الملوك لأول مرة وخاصة أن كل مقابر الوادي كشفها أجانب ولم تعمل بعثة واحدة مصرية ولذلك فقد ظل هذا الحلم معي كل هذه السنوات حتي استطعت أن أحققه وابدأ مع فريق من الشباب المدرب علي أعلي مستوي للعمل لأظهر غموض وأسرار هذا الوادي ولأول مرة بفريق مصري.
وعندما كنت أعمل بالأمس في حفائر في وادي الملوك وجدت آلاف السائحين يحيطون بنا وهم في انبهار وإعجاب من العمل الذي يقوم به المصريون كل هذا وأنا في غاية السعادة لأني أري حلمي يتحقق وأنظر إلي أول منظر رسمه عامل من عمال دير المدينة منذ 3 آلاف عام.. وهذا الرسم خاص بسيدة بدينة جدا وقد كنت مسرورا وأنا أنظر إلي هذا الرسم لأنني تصورت أن هذا العامل الذي كان يعيش في الوادي ويعمل في نقش وزخرفة مقبرة الملك قد اشتاق إلي محبوبته ولذا فقد رسمها بريشته.. والغريب أننا لا نري علي أي مقبرة من مقابر الفراعنة منظرًا لأي سيدة بدينة. لأن المصريين القدماء قد رسموا السيدات رشيقات جميلات وهذا ما كان يتمناه المصري القديم في العالم الآخر حتي لو كان الأمر مخالفا للواقع. ولكن لدينا منظرًا واحدا لملكة بونت حيث صورت كسيدة بدينة.
وقد امتد بصري إلي اكتشافات أخري قد عثرنا عليها منها مناظر جنسية كان العمال يتسلون بها في وحدتهم ومناظر تخطيط المقابر التي كانوا يبنونها بالوادي.. هذا وعثرنا أيضا علي مناظر لملكة تقدم القرابين لم يذكروا اسمها وأوان لايزال اللون الأزرق الجميل داخلها. وثمار الدوم التي كانت تقدم كقرابين للملوك وأوان فخارية جميلة ملونة بخطوط زرقاء ترجع لعصر الملك امنحتب الثالث جد الملك توت عنخ آمون ولكن المفاجأة هو الكشف عن لوحة حجرية عليها اسم ملكة كانت تحمل لقب الزوجة الإلهية لم يذكرها التاريخ من قبل.
ومازلنا نعمل بالمنطقة التي تقع بين مقبرة رمسيس الرابع ورمسيس الثاني حيث نأمل في أن نكشف عن مقبرة جديدة وهي المقبرة رقم 64 بوادي الملوك ولو كانت هذه المقبرة كاملة ولم تمس مثل مقبرة الملك توت عنخ آمون أو شبه كاملة مثل مقبرة الملك امنحتب الثاني أو مقبرة يويا وتويا والد ووالدة الملكة تي أشهر وأقوي ملكة مصرية ولكن لم يكتشف حتي الآن مقبرتها وكذلك مومياء هذه الملكة.
أما عن حلمي الأول فقد تحقق أيضا حيث بدأنا الحفر داخل معبد تابوزيريس ماجنا بجوار الإسكندرية للكشف عن ساحرة النساء كليوباترا وتحقق حلمي الثاني وبدأنا أول بعثة مصرية بوادي الملوك سوف تقدم هدية جميلة إلي شعب مصر من داخل هذا الوادي الهادي والساحر العجيب.. وبدأت المغامرة بتحقيق الحلم.. للكشف عن مقبرة الجميلة.. نفرتيتي.. ومازلت أحلم.