رحمة للعالمين
بقلم : أبو عبيدة أمارة .
يقول الله سبحانه وتعالى في حق نبيه " وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " (الأنبياء 106). فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس فقط وحسب رحمة لأمته بل للعالمين جميعهم ، ويوم أن جاء محمد صلى الله عليه وسلم للناس رسولا وهاديا وبشيرا كم كان من الظلم والظلمات والتظالم والاعتبارات المغلوطة والغبن والعسف موجودا بين الناس ، وكيف أن الله بهذا النبي الكريم وصحبه الكرام قد أفنى عهودا من الظلم وعهودا من الاستغلال وعهودا من التجبر وغبن الحقوق وعهودا من ظلم النفس ومحا عهودا من الكِبر وغمط الناس ، ومحا أيضا أفكارا ضالة ومعتقدات سقيمة، ولو لم يبعث الله محمدا لبقي في التعاسة والعنت والظلم والغم كثير من الناس مجملهم ليس من العرب .
ونريد أن نقول لكل رجل لا يعرف محمدا صلى الله عليه وسلم ولا يعرف قدره ، ولا يعرف وبغيب عنه أن ليس كل شيء يمكن أن يتجاوز عليه ، وربما غبنا وفجورا لا يقيم اعتبارا لمقدس ولا نريد أن نقول رفع الحياء ، ولكن وجب القول إن أجمل ما في الإنسان خلقه الكريم وعقله الرزين وتقديره السليم ، وأجمل ما يحكم به المرء العدل وأجمل العدل لمن عدل لقوم بينه وبينهم شنآن ، ورأس الحكمة مخافة الله وإن من مخافة الله توقير أنبيائه وكتبه وكل كريم كرمه الله ، وإن من مخافة الله عدم التعدي أو الاجتراء على ما حرم الله ، وإن من مخافة الله وحبه طاعته ، ومن حسن أدب الإنسان التعامل بالإحسان ولو مع عبد ضعيف ، وإن من أشد الظلم التجبر على الضعفاء والمساكين.
وإن الحكيم لا يأخذه الهوى يسرة ولا يمنة ولا يحيد به عن طريق الصواب ، بل يحكمه المبدأ الحق السليم والعقل الراجح الرزين والنظر الصائب للحقائق والعدل ، والحكيم يعرف ما له وما عليه ويعرف أن يأخذ فقط ما حق له وطاب ، والحكيم لا يتجاوز على ما لا يجوز له تجاوزه . والرجل الناجح العادل المستقيم هو الذي يكون تصرفه هو ذاته إن كان غنيا أو فقيرا وتصرفه هو ذاته إن كان قويا أو ضعيفا ، وخلقه ونزاهته لا تميل وفق المصلحة الزائلة .
ومتى استقامت مفاهيم الناس ورسخت أخلاقهم عرفوا الفضل لغيرهم كما يعرفون الفضل لأنفسهم ، والكيِّس من عرف حده فلزمه ، والحرية هي ليست متعدية حدودها أو مطلقة فالحرية المطلقة تؤول إلى الفوضى ، وكثير من النظم العاقلة تعرف أن للحرية حدود ولها ضوابط عاقلة ، وقبل أن نُسهب قليلا في الحرية وما هو حقا حرية أو ما هو قد ينسب ظلما للحرية وهو ليس حرية .
لا بد أن نقف وقفات كريمة ووقفات محبة مقدرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفات موفية بقدره ، ولا بد أن يعلم كل إنسان من هو محمد صلى الله عليه وسلم ومن هو نبي الرحمة الذي كان همه إخراج الناس من الظلمات إلى النور بأمر من الله عز وجل ، و همه إخراجهم من ظلمات الظلم والغبن إلى نور العدل والحقوق وإنصافا لكل مخلوق .
ونكفي أن نقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على خلق عظيم وقد قال الله في حقه " وإنك لعلى خلق عظيم " (القلم 2) ، ويكفي نموذجا دالا واحدا على هذا ، والنماذج كثيرة كثيرة سطَرَتها مجلدات ، والنموذج هو أنه كان كتابيا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضع في طريقه الشوك والأذى فمرض ذلك الكتابي فعاده صلى الله عليه وسلم (أي زاره في بيته ) وعطف عليه .
وفي عدله صلى الله عليه وسلم فإنه يوم أن دخل مكة فاتحا منتصرا لم ينتقم ممن قد آذوه وأخرجوه من بيته وعادوه في الدعوة للحق والصالح بل قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء ، ومن عدله صلى الله عليه وسلم أن جاء أعرابي وجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ردائه بخشونة وطالب بمال فلم يغضب صلى الله عليه وسلم ولم ينتقم لنفسه بل تبسم وأمر له بمال .
وفي حكمته صلى الله عليه وسلم يكفي أن نقول أنه يوما دخل أعرابي إلى المسجد ودون إدراك لحرمة المسجد فبال بناحية منه فما عنفه صلى الله عليه وسلم بل أمر المسلمين أن يتركوا الأعرابي ينهي تبوله وأمرهم بصب الماء فوق البول حتى يذهب النجس ، وأفهم الأعرابي بأسلوب حكيم رحيم سوء فعله .
وفي رأفته صلى الله عليه وسلم نكفي أن نقول أنه رأف لحيوان باكي متظلم وأمر المسلمين الرفق بالحيوان ، وهو بالناس أرحم ، وقد قال الله في حق رحمته اصحبه " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ " (آل عمران 159) .
والحقيقة أن هذه نماذج قليلة قليلة في فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلقه وفي تسامحه وفي حبه للخير وفي جهده إيصال الصالح ورفع الظلم وترسيخ الحياة الصالحة المنصفة لأمته وللناس كافة ولكل مخلوق .
ولا بد أن نذكر وقفة مع معنى الحرية كنت قد نشرتها في مقالة سابقة وهي :
فالحرية قبل كل شيء هي أدب وخُلُق , أدب مع الله وكتبه ورسله وملائكته , أدب مع الناس ورحمة بالضعفاء وخلقٌ في التعامل مع الغير وإقساط لكل مخلوق , وهي عدم التعدي على حقوق الآخرين , وهي حجز النفس عن المحرمات .
وأعطى الله الإنسان الحرية الكريمة والمستقيمة والتي هي تتحقق في تلك الحدود التي وضعها الله والتي فيها مصلحة الناس وخيرهم وهي فيما ما أباح من الطيبات والحلال بالتكسب الحلال والنزيه , وهي حرية نافعة تتمثل فيها كل معاني الإنسانية الصالحة والبر والعطاء ومعرفة الحقوق لأصحابها وقبل كل شيء معرفة حق الله الخالق العظيم(وما أرسل من رسل ورسالات ) الذي أسبغ على الإنسان النعم والفضل وسخر له ما في السماوات والأرض .
[b]