بنت الاسلام ( آ‘ميـــــرٍة المـــوقـــع)
| موضوع: رابعة العدوية ورأى القرضاوى حولها الثلاثاء أبريل 20, 2010 12:34 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رابعة العدوية
في "رابعة العدوية" تتجلي صفات الزهد و الورع و التقوى كلها، و لو كان لهذه المعاني قصة و الصفات أن تتجسد في شخص إنسان لكان هذا الشخص هو "رابعة" – رحمها الله.
علم، زهد، ذكر، تواضع، خشية، حب، بكاء، بصيرة، تهجد و قيام.
كم من الناس في أي زمان أو مكان يمكن أن تجتمع فيه هذه الخصال كلها ممثلة في أجلي صورها و أعظم معانيها كما تجسدت بحقيقتها في "رابعة أم الخير". كانت نموذجاً فريداً للمرأة المسلمة الصالحة.. فكانت رأس العابدات، ورئيسة الخاشعات،وزعيمة الناسكات حتى عُرفت في زمانها بعظيم فضلها ومزيد علمها وكمال أدبها..
كانت تصلِّي مئات الركع في اليوم والليلة، وإذا سُئلت: ما تطلبين من هذا؟ قالت: لا أريد ثواباً بقدر ما أريد إسعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقول لإخوته من الأنبياء: انظروا هذه امرأة من أمتي.. هذا عملها.
وكانت أول من استعمل كلمة "الحب الإلهي" استعمالاً صريحاً فيما تناجي به الله عز وجل وإقبالها عليه وإيثارها له سبحانه.
من هي :
هي "رابعة القيسية العدوية البصرية" سميت رابعة لأنها كانت الرابعة في الميلاد يسبقها ثلاثة،
و سميت بالقيسية لأنها من بطن من بطون قبيلة قيس، و سميت بالعدوية لأن أسرتها من بنى عدوة، و سميت بالبصرية لأنها ولدت في البصرة و عاشت بها ردحاً من الزمن،
ولُقِّبت بأم الخير لسعيها في أوجه الخير.
لقد كان لرابعة ثلاث أخوات بنات سبقنها إلي الحياة، و أبواها يشكوان قسوة الفقر و شدة الحياة. و هكذا نشأت رابعة بين أبوين فقيرين، يعيشان في كوخ بطرف من أطراف البصرة، و كان الناس يسمون هذا الكوخ "كوخ العابد" و ذلك لتقوى الوالد و إيمانه.
في هذه البيئة الإسلامية الصالحة وُلدت رابعة العدوية وحفظت القرآن الكريم وتدبَّرت آياته وقرأت الحديث وتدارسته وحافظت على الصلاة وهي في عمر الزهور. وعاشت طوال حياتها عذراء بتولاً برغم تقدم أفاضل الرجال لخطبتها لأنها انصرفت إلى الإيمان والتعبُّد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج والولد. وليس كما يحاول بعض المستشرقين تشويه سيرتها ووصمها بالانحراف والرذيلة.
كانت رابعة منذ صغرها فتاة لبيبة عاقلة ذكية، زاهدة عابدة متهجدة، و كانت كثيرة الهم و الحزن، طويلة التفكير و التأمل، منطوية علي نفسها قليلة الكلام عازفة عن لغط الحياة. لقد عنيت رابعة منذ صغرها بحفظ القرآن الكريم و ترتيله، و كلما حفظت سورة من السور أخذت تكررها و تعيدها في ترتيل و تجويد مع الخشوع و تدفق الدموع.
و ما لبث أن مات أبيها ثم لحقت به زوجته و بقيت رابعة يتيمة مع أخواتها البنات الثلاث و لم يتركوا الوالدان لبناتهما من أسباب الحياة و وسائل العيش سوى قارب ينقل الناس في نهر دجلة من شاطىء إلي شاطىء مقابل دراهم معدودة.
وصحيح أنها وقعت في الرِّق بعد وفاة والدها ووالدتها وما أصاب البصرة من قحط ومجاعة وتفرُّقها عن شقيقاتها الثلاث وهي ما زالت صغيرة، حتى انها بيعت بستة دراهم لرجل غليظ القلب قاسي المشاعر أذاقها العذاب ألواناً، وظلَّت تنتقل من هوان إلى هوان، غير ان هذا لم يطفئ ذلك القَبَس الإيماني في قلبها مصداقاً
لقوله تعالى: "ولكن الله حبَّب إليكم الإيمان وزيَّنه في قلوبكم" فكانت تهرب من شظف العيش وضيق الدنيا إلى سعة الإيمان ورحمة الله.
فكانت تناجي ربها باكية:
إلهي.. أنا يتيمة معذَّبة أرسف في قيود الرِّق وسوف أتحمَّل كل ألم وأصبر عليه، ولكن عذاباً أشدّ من هذا العذاب يؤلم روحي ويفكِّك أوصال الصبر في نفسي، منشؤه ريب يدور في خَلَدي: هل أنت راضٍ عنِّي؟ تلك هي غايتي.
وكانت تؤدي عملها في بيت سيدها بما يرضي ضميرها وتؤدي فريضة ربِّها في إخلاص وتفانٍ حتى إذا استيقظ سيدها ذات ليلة سمعها تناجي وهي ساجدة فتقول: إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنَّى طاعتك، ونور عيني في خدمتك، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك.. لكنك تركتني تحت رحمة مخلوق قاسٍ من عبادك.
وبينما هو يراقبها، إذ يخطف انتباهه انبلاج ضوء حولها يفزع له فتعرف الرحمة طريقها إلى قلبه، وفي الصباح يدعوها: أي رابعة، وهبتك الحرية فإن شئت بقيت هنا ونحن جميعاً في خدمتك، وإن شئت رحلت أنَّى رغبت. فما كان منها إلا أن ودَّعته وارتحلت لتبدأ مرحلة جديدة. وهي المرحلة التي يحاول المستشرقون تشويهها والإساءة فيها إلى سيرتها، فقد احترفت مهنة العزف على الناي حيناً من الزمن، وهي مهنة لم تكن فيها شبهة، ولكنها سرعان ما اعتزلتها واعتزلت الناس جميعاً وبنت لنفسها خلوة انقطعت فيها للعبادة. وقد استوعب حب الله لذاته كل خلجات قلبها حتى قالت فيه لما سُئلت
عن حبها للرسول الكريم: إني والله أحبه حباً شديداً ولكن حب الخالق شغلني عن حب المخلوقين.
وأجملت نظرتها إلى هذا الحب الإلهي شعراً رقيقاً تقول فيه:
أحبك حبين حب الهوى فأما الذي هو حب الهوى وأما الذي أنت أهل له فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي وحباً لأنك أهل لذاكا فشغلي بذكرك عمَّن سواكا فكشفك للحجب حتى أراكا ولكن لك الحمد في ذا وذاكا مواقف : كانت رابعة تخاف أكل الحرام، و قالت لأبيها: " يا أبت لست أجعلك في رحل من حرام تطعمنيه"، فقال لها متعجباُ: "أرأيت يا رابعة إن لم نجد إلا حراما؟"، قالت :" نصبر يا أبي في الدنيا علي الجوع، خير من أن نصبر في الآخرة علي النار". و قد حدثت مجاعة و قحط في البصرة علي عهدها، فتشردت رابعة في الأرض و تشتت أخواتها و ذهبت كل واحدة منهن إلي جهة من الأرض، حيث لم تلتقي رابعة بواحدة منهن بعد ذلك....رآها لص أثيم فتربص لها حتى وجدها مشردة منفردة، فأخذها مدعياُ رقها و باعها إلي أحد التجار الذي أذاقها طعم البلاء، و سامها سوء العذاب. و ذات ليلة رآها التاجر و هي تتعبد في خشوع و إخلاص طالبة من الله أن يخلصها من قسوة ذلك التاجر الذي يذيقها الألم و المهانة حتى تتفرغ للعبادة و الطاعة، و يقال أن التاجر رأي فوق رأسها مصباحاُ مضيئاُ غير معلق بشيء فآمن بصلتها العميقة بربها، فأعتقها. أتاها رجل بأربعين ديناراُ فقال لها: تستعينين بها علي بعض حوائجك، فبكت ثم رفعت رأسها إلي السماء فقالت: هو يعلم أني أستحي منه أن أسأله الدنيا و هو يملكها فكيف أريد أن أجدها ممن لا يملكها. قال رجل يوماُ لرابعة: ادعي الله لي، فالتصقت بالحائط و قالت: من أنا يرحمك الله؟ أطع ربك و ادعه، فإنه يجيب دعوة المضطرين. قال لها سفيان الثوري مرة: يا أم عمرو أرى حالاً رثة فلو أتيت جارك فلاناً لغير بعض ما أرى، فقالت يا سفيان "وما ترى من سوء حالي؟ ألست على الإسلام فهو العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه، والأنس الذي لا وحشة معه، والله إني لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها؟ وكانت رابعة إذا وثبت من مرقدها فزعة تقول "يا نفس إلى كم تنامين؟ وإلى كم تقومين، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور".
رابعة العدوية للشيخ القرضاوى
س : سمعت احد الخطباء المعروفين يحمل على السيدة رابعة العدوية الزاهدة الصالحة المشهورة و يقول انها اسطورة اخترعتها الصوفية لينسبوا اليها ما لايقبل و لايعقل من الأقوال و الأشعار مثل قولها فى مناجاة الله تعالى :
فليتك تحلو و الحياة مريرة و ليتك ترضى و الأنام غضاب و ليت الذى بينى و بينك عامر و بينى و بين العالمين خراب
و قولها كلهم يعبدوك من خوف نار و يرون النجاة حظا جزيلا او لأن يدخلوا الجنان فيحظوا بنعيم و يشربوا سلسبيلا ليس لى فى الجنان والنار حظ انا لا ابتغى بحبى بديلا
و قولها
احبك حبين حب الهوى و حبا لأنك اهل لذاك فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بذكرك عما سواك وأما الذى انت اهل له فكشفك لى الحجب حتى اراك وما الحمد فى ذا ولاذاك لى ولكن لك الحمد فى ذا وذاك
وأطال الخطيب فى انكار هذة الأشعار وماتضمنتة من كفر وضلال حسب قولة .
فهل ما ذكر هذا الخطيب صحيح ومسلم ولاوجود لهذة المرأة الصالحة ؟ وهل هذة الأشعار تتضمن ضلالا و كفرا حقا ؟!
نرجو بيان رأيكم الذى عرفنا فية الإعتدال مبينا الأدلة من القران والسنة .
ج : بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين و على آلة و صحبة اجمعين ... وبعد :
فإننى أسف اشد الأسف لهذا الإتجاه لدى بعض المسلمين الذين يتلذذون بهدم كل القمم و تشوية كل البطولات الفكرية والسلوكية فى تاريخنا القريب و البعيد بدل ابراز محاسنها و تجسيم فضائلها مع الإحتراز من عيوبها ان كانت لها عيوب يمكن ان تغمر وتنسى فى جنب محاسنها .
خطآن كبيران : ورأى ان الخطيب المذكور – ان صح ماذكره السائل عنة – اخطأ خطأين كبيرين :
مجرد الإنكار لايقبل: الأول : انة اتخذ مجرد الجحود و الإنكار سلاحا فى نفى الوقائع التاريخية و هذا امر مرفوض فى منطق العلم و الا لقال من شاء ماشاء.
ولكن الذى يقبل منه ومن مثلة فى هذا المقام ان يقول: إنة رجع الى كتب التاريخ و كتب التراجم و الطبقات التى عنيت بالأعلام عامة و بالزهاد و العباد خاصة فلم يجد ذكرا لهذه العابدة الصالحة التى اخترعوها و سموها ( رابعة العدوية ) بل يوجد من ثقات المؤرخين من انكر وجودها و عاب على الصوفية ذكر اخبارها فى كتبهم .
مثل هذا لو قالة الخطيب لكان مقبولا وكان كلاما علميا صحيحا , ولكن الخطيب لم يقل هذا و لايستطيع ان يقولة لأن الحقائق العلمية تكذبة و الوقائع التاريخية تصدمة .
فكتب التاريخ و التراجم تثبت وجود رابعة العدوية و تترجم لها و تذكر بعض اقوالها و أعمالها و أشعارها فضلا عن كتب الصوفية انفسهم .
- ترجم لها ابو نعيم فى : حلية الأولياء. - وابن الجوزى فى : صفة الصفوة (4 /17 ). - وابن خلكان فى : وفيات الأعيان ( 1/ 182 ). - و الذهبى فى : سير اعلام النبلاء (8 /215 ). - وابن كثير فى : البدية و النهاية (10 / 186 ). - وابن العماد فى : شذرات الذهب ( 1 ؟ 193 ). - وصاحبة (الر المنثور فى طبقات ربات الخدور)(202). - و الزركلى فى : الأعلام ( 3 / 31 ). - وقد ذكرها القشيرى فى : الرسالة . - وابو الطالب المكى فى : قوت القلوب . - و الغزالى فى : الإحياء . - و السهروردى فى : عوارف المعارف . - و الشعرانى فى : طبقاتة .... و غيرهم .
و ذكر ابن الجوزى فى صفة الصفوة ( 4 / 19 ) انة افرد لها كتابا جمع فية كلامها و اخبارها .
اسلوب الإثارة و التهييج: الخطأ الثانى : ان الخطيب عالج الموضوع الذى يريد معالجة تعتمد على الإثارة و التهييج لا على التنوير و التحقيق و الإثارة قد تعجب بعض سامعية المعجبين بة و الذين تستهويهم الجرأة فى النقد أو النقض و الهجوم و الخروج على المسلمات عند الناس و لكنهل لا تعجب خاصة المثقفين و المستنيرين ممن يزنزن الأمور بعقولهم و لايأخذون كل مايقال قضية مسلمة .
و قد كان حسب الخطيب هنا طريقين لايملك ذو علم أو فكر ان ينكرهما او احدهما علية :
الطريق الأول: التحقيق فيما ينسب الى رابعة العدوية او غيرها من اقوال و مواقف فليس كل ما نسب اليها صحيحا موثقا بل قد و مقطوعا بنفية عنها .
من ذلك : انهم نسبوا اليها هذة الأبيات المشهورة تناجى بها ربها سبحانة :
فليتك تحلو و الحياة مريرة وليتك ترضى و الأنام غضاب و ليت الذى بينى و بينك عامر و بينى و بين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين و كل الذى فوق التراب تراب
و الأبيات ليست لرابعة بل البيتان : الأول و الثانى من شعر ابى فراس الحمدانى فى خطاب ابن عمة الأمير المشهور سيف الدولة و هما مذكوران فى ديوانة من قصيدة مطلعها :
اما الجميل عندكن ثواب ولا لمسئ عندكن متاب ؟
لقد ضل من تحوى هواه خريدة وقد ذل من تقضى عليه كعاب
ومن ابياتة الشهيرة:
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ومن أين للحر الكريم صحاب ؟
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ذئابا على اجسادهن ثياب !
وأبو فراس كان فى القرن الرابع الهجرى ورابعة فى القرن الثانى فقد اختلفوا فى سنة و فاتها فمنهم من قال: سنة 135 هـ ومن قال 185 هـ والراجح عندى هو الثانى ...
أما البيت الأخير فهو من قصيدة المتنبى فى مدح كافور (و فيه المال مكان الكل).
وكل مافى الأمر ان الصالحين وجدوا ان هذا الشعر لايجوز ان يخاطب به إلا الله جل جلاله فنسبوا الخطاب فيه لمن هو اهله و لاأدرى من نسب الشعر الى رابعة خاصة ولم اقرأهذا فى كتاب معتبر و إن كان مشهورا على الألسنة و ليس كل مشهور على الألسنة حجة.
وكذلك ماينسب اليها من الشعر الذى تقول فى آخره:
ليس لى فى الجنان و النار حظ انا لا أبتغى بحبى بديلا
لا أدرى مدى صحة نسبة اليها و قد روى أنها كانت تقول فى مناجاتها :
إلهى تحرق بالنار قلبا يحبك !
و ذكر ابن الجوزى فى ترجمتها ( 45 / 17 ) عن عبد الله بن عيسى قال : دخلت على رابعة العدوية بيتها فرأيت على وجهها النور وكانت كثيرة البكاء فقرأ عندها رجل آية من القرآن فيها ذكر النار فصاحت ثم صقطت!
و نقل عن عبدة بنت أبى شوال – وكانت من خيار إماء الله وكانت تخدم رابعة – انها قالت: كانت تصلى الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت فى مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر فكنت اسمعها تقول اذا و ثبت من مرقدها ذلك و هى فزعة: يا نفس كم تنامين ؟ والى كم تقومين؟ يوشك ان تنامى نومة لاتقومين منها إلا لصرفة يوم النشور!
قالت : فكان هذا دأبها حتى ماتت.
ومما نقلوا عنها قولها: استغفر الله من قلة صدقى فى قولى: استغفر الله !
و هذا كلة يدل على انها من اهل الخشية وا لمحبة معا فهى تخاف الله و تحبة ولاتنافى بينهما على التحقيق .
وما نسب اليها انها قالت ذات مرة: إلهى ماعبدتك خوفا من نارك و لاطمعا فى جنتك بل حبا لك و قصد لقاء وجهك فلعلها قصدت ان الله عز وجل أهل لأن يعبد و يتقى قياما بحقه وشكرا لنعمته , كما قال الإمام ابن القيم :
هب البعث لم تأتنا رسله وجاحمة النار لم تضرم أليس من الواجب المستحق ثناء العباد على المنعم ؟
أو لعلها قالت ذلك فى حال من أحوال غلبة الحب على الخوف و الرجاء و الإستغراق فى الأنس بالله تعالى إلى حد الذهول عن النعيم و العذاب و لكن مثل هذا لايدوم كما تدل عليه مواقفها و أقوالها .
فإن لم يكن هذا موقفها فكل احد ي {خذ من كلامه و يرد عليه و قد رددنا على المتصوفة الذين ينكرون العبادة طلبا للثواب و خوفا من العقاب فى كتابنا (العبادة فى الإسلام) و نقلنا عن ابن القيم من كتابة (مدارج السالكين) ما يشفى الغليل و ينير السبيل.
و أما الشعر الذى ينسب اليها فى حب الله تعالى من مثل قولها:
أحبك حبين حب الهوى و حبا لأنك اهل لذاك
فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بذكرك عما سواك وأما الذى انت اهل له فكشفك لى الحجب حتى اراك وما الحمد فى ذا ولاذاك لى ولكن لك الحمد فى ذا وذاك
فقد قال الإمام ابو حامد الغزالى فى (الإحياء) تعقيبا على هذة الأبيات : (لعلها ارادت بحب الهوى : حب الله لإحسانه اليها و إنعامه عليها بحظوظ العاجلة .. و بحبه لما هو اهل له : الحب لجماله و جلاله الذى انكشف لها و هو اعلى الحبين و أقواهما . و لذة مطالعة جمال الربوبية هى التى عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال حاكيا عن ربه تعالى : (أعددت لعبادى الصالحين مالاعين رأت ولا أذن سمعت و لاخطر على قلب بشر)(رواه البخارى ) , قال : و قد تعجل بعض هذة اللذات فى الدنيا لمن انتهى صفاء قلبه إلى الغاية) ( الإحياء 4/ 311 ط دار المعرفة )
و لكن ينبغى ان يعلم ان المطالعة لجمال الربوبية انما هى بعين القلب لا بعين الرأس.
يقول المحقق ابن القيم فى (مدراج السالكين) فى بيان حقيقة نور الكشف الذى يتحدث عنه الصوفية: ( ونور الكشف عندهم هو مبدأ الشهود و هو نور تجلى معانى الأسماء الحسنى على القلب فتضئ به ظلمة القلب و يرتفع به حجاب الكشف. و لاتلتفت الى غير هذا فتذل قدما بعد ثبوتها فأنك تجد فى كلام بعضهم: تجلى الذات يقتضى كذا و كذا و تجلى الصفات يقتضى كذا و كذا و تجلى الأفعال يقتضى كذا و كذا.
و القوم عنايتهم بالألفاظ فيتوهم المتوهم : انهم يريدون تجلى حقيقة الذات و الصفات و الأفعال للعيان, فيقع من يقع منهم فى الشطحات و الطامات و الصادقون العارفون براء من ذلك. و إنما يشيرون الى كمال المعرفة و إرتفاع حجب الغفلة و الكشف و الإعراض و إستيلاء سلطان المعرفة على القلب بمحو شهود السوى بالكلية فلا يشهد القلب سوى معروفه.
و ينظرون هذا بطلوع الشمس فإنها اذا طلعت انطمس نور الكواكب و لم تعد الكواكب وأنما غطى عليها نور الشمس فلم يظهر لها و جود و هى فى الواقع موجودة فى اماكنها و هكذا نور المعرفة اذا استولى على القلب قوى سلطانها وزالت الموانع و الحجاب عن القلب.
و لاينكر هذا الا من ليس اهلة .
و لايعتقد أن الذات المقدسة و الأوصاف: برزت و تجلت للعبد – كما تجلى سبحانه للطور وكما يتجلى يوم القيامة للناس – إلاغالط فاقد للعلم وكثير ما يقع الغلط من التجاوز من نور العبادات و الرياضة و الذكر الى نور الذات و الصفات .
فإن العبادة الصحيحة و الرياضة الشرعية و الذكر المتواطئ عليه القلب و اللسان : يوجب نورا على قدر قوته و ضعفة وربما قوى هذا النور حتى يشاهد بالعيان فيغلط فيه ضعيف العلم و التمييز بين خصائص الربوبية و مقتضيات العبودية فيظنه نور الذات و هيهات ! نور الذات لايقوم له شئ و لو كشف سبحانه و تعالى الحجاب عنه لتدكدك العالم كله كما تدكدك الجبل و ساخ لما ظهر له القدر اليسير من التجلى .
وفى الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (إن الله سبحانه لاينام و لاينبغى له ان ينام يخفض القسط و يرفعه يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار و عمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات و جه ما إنتهى اليه بصره من خلقه).
فالإسلام له نور و الإمان له نور اقوى منه و الإحسان له مور اقوى منهما , فإذا اجتمع الإسم و الإيمان و الإحسان و زالت الحجب الشاغلة عن الله تعالى امتلأ القلب و الجوارح بذلك النور لا بالنور الذى هو صفة الرب تعالى فإن صفاته لا تحل فى شئ من مخلوقاته كما ان مخلوقاته لاتحل فيه فالخالق سبحانه بائن عن المخلوق بذاته و صفاته فلا اتحاد و لاحلول و لا ممازجه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) . (مدارج السالكين 3 / 110 – 112 ).
و من شعرها فى الحب الإلهى ما أورده الشيخ شهاب الدين السهروردى فى (العوارف) تناجى به المولى سبحانه و تعالى:
و لقد جعلتك فى الفؤاد محدثى و أبحت جسمى لمن أراد جلوسى فالجسم منى للجليس مؤانس و حبيب قلى فى الفؤاد جليسى
تريد انها تلق ى الناس بوجهها وجسمها أما قلبها فهو مع الله تعالى فى كل حال .
و مناقبها رحمها الله و رضى عنها كثيرة و فضائلها جمة و أكثر العلماء الكبار من المحدثين و الفقهاء و الزهاد و العباد يثنون عليها و يرفعونها مكانا عليا .
و ذكر ابن كثير فى (البداية) ان أبا داود السجستانى تكم فيها و اتهمها بالزندقة! قال : فلعله بلغه عنها أمر!
وذكر الذهبى فى (سير الأعلام) عن أبى سعيد الأعرابى قال : أما رابعة فقد حمل الناس عنها حكمة كثيرة و حكى عنها سفيان و شعبة و غيرهما مما يدل على بطلان ماقيل عنها و قد تمثلته بهذا:
و لقد جعلتك فى الفؤاد محدثى و أبحت جسمى لمن أراد جلوسى
فنسبها بعضهم الى الحلول بنصف البيت و إلى الإباحة بتمامة!
قلت – و القائل الحافظ الذهبى - : فهذا غلو وجهل و لعل من نسبها ألى ذلك مباحى حلولى ليحتج بها على كفره كاحتجاجهم بخبر : (كنت سمعه الذى يسمع به) (البخارى) .
و قد انصف الإمام الذهبى رحمه الله.
فلعل هذا او مثله مابلغ أبو داود فاتهمها بما اتهمها دون ان يتحقق من حقيقتها .
هذا و قد كتب كثير من المعاصرين كتبا و مقالات مختلفة عن رابعة و أطلق عليها بعضهم (شهيدة العشق الإلهى) و هو تعبير ينفر منه الحس الإسلامى فالعلاقة بين الله و عباده يعبر عنها فى لغة القران و السنة بـ (الحب) لا بـ (العشق) و فى القرآن الكريم (يحبهم و يحبونه) و (و الذين آمنوا اشد حبا لله) .
و فى الحديث المتفق عليه : (ثلاث من كن فيه و جد حلاوة الإيمان ان يكون الله و رسوله احب اليه مما سوهما ... الحديث).
و غيره من الأحاديث كثير و هو يدل على أن (حب الله) تعالى جزء اصيل فى الإسلام و ليس دخيلا عليه كما زعم زاعمون .
و أشعار رابعة كلها تتحدث عن حب الله فلا ينبغى ان نتجاوز ذلك رعاية للأدب مع الله جل جلاله.
كتاب من هدى الإسلام فتاوى معاصرة للدكتور يوسف القرضاوى جـ2 دار الوفاء. | |
|