حدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار بن عثمان واللفظ لأبي غسان وابن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار المجاشعي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان وإن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك قال وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال قال وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعا لا يبتغون أهلا ولا مالا والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك وذكر البخل أو الكذب والشنظير الفحاش
ولم يذكر أبو غسان في حديثه وأنفق فسننفق عليك و حدثناه محمد بن المثنى العنزي حدثنا محمد بن أبي عدي عن سعيد عن قتادة بهذا الإسناد ولم يذكر في حديثه كل مال نحلته عبدا حلال حدثني عبد الرحمن بن بشر العبدي حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام صاحب الدستوائي حدثنا قتادة عن مطرف عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم وساق الحديث وقال في آخره قال يحيى قال شعبة عن قتادة قال سمعت مطرفا في هذا الحديث و حدثني أبو عمار حسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين عن مطر حدثني قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار أخي بني مجاشع قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيبا فقال إن الله أمرني وساق الحديث بمثل حديث هشام عن قتادة وزاد فيه وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغ أحد على أحد وقال في حديثه وهم فيكم تبعا لا يبغون أهلا ولا مالا فقلت فيكون ذلك يا أبا عبد الله قال نعم والله لقد أدركتهم في الجاهلية وإن الرجل ليرعى على الحي ما به إلا وليدتهم يطؤها
صحيح مسلم بشرح النووي
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمكُمْ مَا جَهِلْتُمْ , مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلّ مَال نَحَلْته عَبْدًا حَلَال )
مَعْنَى ( نَحَلْته ) أَعْطَيْته , وَفِي الْكَلَام حَذْف , أَيْ : قَالَ اللَّه تَعَالَى : كُلّ مَال أَعْطَيْته عَبْدًا مِنْ عِبَادِي فَهُوَ لَهُ حَلَال , وَالْمُرَاد إِنْكَار مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ السَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْبَحِيرَة وَالْحَامِي وَغَيْر ذَلِكَ , وَأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ , وَكُلّ مَال مَلَكَهُ الْعَبْد فَهُوَ لَهُ حَلَال , حَتَّى يَتَعَلَّق بِهِ حَقّ .
قَوْله تَعَالَى : ( وَإِنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاء كُلّهمْ )
أَيْ : مُسْلِمِينَ , وَقِيلَ : طَاهِرِينَ مِنْ الْمَعَاصِي , وَقِيلَ : مُسْتَقِيمِينَ مُنِيبِينَ لِقَبُولِ الْهِدَايَة , وَقِيلَ : الْمُرَاد حِين أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْد فِي الذَّرّ , وَقَالَ : { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } .
قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينهمْ }
هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا ( فَاجْتَالَتْهُمْ ) بِالْجِيمِ , وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ , وَعَنْ رِوَايَة الْحَافِظ أَبِي عَلِيّ الْغَسَّانِيّ ( فَاخْتَالَتْهُمْ ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة . قَالَ : وَالْأَوَّل أَصَحّ وَأَوْضَح , أَيْ : اِسْتَخَفُّوهُمْ فَذَهَبُوا بِهِمْ وَأَزَالُوهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ , وَجَالُوا مَعَهُمْ فِي الْبَاطِل , كَذَا فَسَّرَهُ الْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ , وَقَالَ شَمِر : اِجْتَالَ الرَّجُل الشَّيْء ذَهَبَ بِهِ , وَاجْتَالَ أَمْوَالهمْ سَاقَهَا , وَذَهَبَ بِهَا , قَالَ الْقَاضِي : وَمَعْنَى ( فَاخْتَالُوهُمْ ) بِالْخَاءِ عَلَى رِوَايَة مَنْ رَوَاهُ , أَيْ : يَحْبِسُونَهُمْ عَنْ دِينهمْ , وَيَصُدُّونَهُمْ عَنْهُ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنَّ اللَّه تَعَالَى نَظَرَ إِلَى أَهْل الْأَرْض فَمَقَتَهُمْ عَرَبهمْ وَعَجَمهمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب )
الْمَقْت : أَشَدّ الْبُغْض , وَالْمُرَاد بِهَذَا الْمَقْت وَالنَّظَر مَا قَبْل بَعْثَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد بِبَقَايَا أَهْل الْكِتَاب الْبَاقُونَ عَلَى التَّمَسُّك بِدِينِهِمْ الْحَقّ مِنْ غَيْر تَبْدِيل .
قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى : { إِنَّمَا بَعَثْتُك لِأَبْتَلِيَك وَأَبْتَلِي بِك }
مَعْنَاهُ : لِأَمْتَحِنك بِمَا يَظْهَر مِنْك مِنْ قِيَامك بِمَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْجِهَاد فِي اللَّه حَقّ جِهَاده , وَالصَّبْر فِي اللَّه تَعَالَى وَغَيْر ذَلِكَ , وَأَبْتَلِي بِك مَنْ أَرْسَلْتُك إِلَيْهِمْ , فَمِنْهُمْ مَنْ يُظْهِر إِيمَانه , وَيُخْلِص فِي طَاعَاته , وَمَنْ يَتَخَلَّف , وَيَتَأَبَّد بِالْعَدَاوَةِ وَالْكُفْر , وَمَنْ يُنَافِق , وَالْمُرَاد أَنْ يَمْتَحِنهُ لِيَصِيرَ ذَلِكَ وَاقِعًا بَارِزًا فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا يُعَاقِب الْعِبَاد عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُمْ , لَا عَلَى مَا يَعْلَمهُ قَبْل وُقُوعه , وَإِلَّا فَهُوَ سُبْحَانه عَالِم بِجَمِيعِ الْأَشْيَاء قَبْل وُقُوعهَا , وَهَذَا نَحْو قَوْله : { ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَم الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ } أَيْ : نَعْلَمهُمْ فَاعِلِينَ ذَلِكَ مُتَّصِفِينَ بِهِ .
قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلْت عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلهُ الْمَاء تَقْرَأهُ نَائِمًا وَيَقْظَان }
أَمَّا قَوْله تَعَالَى : { لَا يَغْسِلهُ الْمَاء } فَمَعْنَاهُ : مَحْفُوظ فِي الصُّدُور , لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ الذَّهَاب , بَلْ يَبْقَى عَلَى مَرّ الْأَزْمَان . وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { تَقْرَأهُ نَائِمًا وَيَقْظَان } فَقَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ يَكُون مَحْفُوظًا لَك فِي حَالَتَيْ النَّوْم وَالْيَقَظَة , وَقِيلَ : تَقْرَأهُ فِي يُسْر وَسُهُولَة .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَقُلْت : رَبّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَة )
هِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة , أَيْ : يَشْدَخُوهُ وَيَشُجُّوهُ , كَمَا يُشْدَخ الْخُبْز , أَيْ : يُكْسَر .
قَوْله تَعَالَى : { وَاغْزُهُمْ نُغْزِك }
بِضَمِّ النُّون , أَيْ : نُعِينك .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَهْل الْجَنَّة ثَلَاثَة ذُو سُلْطَان مُقْسِط مُتَصَدِّق مُوَفَّق , وَرَجُل رَحِيم رَقِيق الْقَلْب لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِم وَعَفِيف مُتَعَفِّف )
فَقَوْله : ( وَمُسْلِم ) مَجْرُور مَعْطُوف عَلَى ذِي قُرْبَى , وَقَوْله : ( مُقْسِط ) أَيْ : عَادِل .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الضَّعِيف الَّذِي لَا زَبْر لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا )
فَقَوْله : ( زَبْر ) بِفَتْحِ الزَّاي وَإِسْكَان الْمُوَحَّدَة أَيْ : لَا عَقْل لَهُ يَزْبُرهُ وَيَمْنَعهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي , وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي لَا مَال لَهُ , وَقِيلَ : الَّذِي لَيْسَ عِنْده مَا يَعْتَمِدهُ , وَقَوْله : ( لَا يَتْبَعُونَ ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة مُخَفَّف وَمُشَدَّد مِنْ الِاتِّبَاع , وَفِي بَعْض النُّسَخ ( يَبْتَغُونَ ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْغَيْن الْمُعْجَمَة , أَيْ : لَا يَطْلُبُونَ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالْخَائِن الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَع وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ )
مَعْنَى ( لَا يَخْفَى ) لَا يَظْهَر , قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال : خَفَيْت الشَّيْء إِذَا أَظْهَرْته , وَأَخْفَيْته إِذَا سَتَرْته وَكَتَمْته , هَذَا هُوَ الْمَشْهُور , وَقِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا .
قَوْله : ( وَذَكَرَ الْبُخْل وَالْكَذِب )
هِيَ فِي أَكْثَر النُّسَخ ( أَوْ الْكَذِب ) بِأَوْ , وَفِي بَعْضهَا ( وَالْكَذِب ) بِالْوَاوِ , وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور فِي نُسَخ بِلَادنَا , وَقَالَ الْقَاضِي : رِوَايَتنَا عَنْ جَمِيع شُيُوخنَا بِالْوَاوِ , إِلَّا اِبْن أَبِي جَعْفَر عَنْ الطَّبَرِيّ فَبِأَوْ , وَقَالَ بَعْض الشُّيُوخ , وَلَعَلَّهُ الصَّوَاب , وَبِهِ تَكُون الْمَذْكُورَات خَمْسَة , وَأَمَّا ( الشِّنْظِير ) فَبِكَسْرِ الشِّين وَالظَّاء الْمُعْجَمَتَيْنِ وَإِسْكَان النُّون بَيْنهمَا , وَفَسَّرَهُ فِي الْحَدِيث بِأَنَّهُ الْفَحَّاش وَهُوَ السَّيِّئ الْخُلُق .
قَوْله : ( فَيَكُون ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه ؟ قَالَ : نَعَمْ وَاَللَّه لَقَدْ أَدْرَكْتهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة ... إِلَى آخِره )
( أَبُو عَبْد اللَّه ) هُوَ : مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه , وَالْقَائِل لَهُ قَتَادَة , وَقَوْله : ( لَقَدْ أَدْرَكْتهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة ) لَعَلَّهُ يُرِيد أَوَاخِر أَمْرهمْ , وَآثَار الْجَاهِلِيَّة وَإِلَّا فَمُطَرِّف صَغِير عَنْ إِدْرَاك زَمَن الْجَاهِلِيَّة حَقِيقَة وَهُوَ يَعْقِل .